بعد يومين من مكالمة تبون–ماكرون لفتح الباب أمام عفو رئاسي جزائري.. بوعلام صنصال يطعن في حكم سجنه

 بعد يومين من مكالمة تبون–ماكرون لفتح الباب أمام عفو رئاسي جزائري.. بوعلام صنصال يطعن في حكم سجنه
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 2 أبريل 2025 - 14:34

قدّم الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال استئنافًا على الحكم الصادر في حقه بالسجن خمس سنوات نافذة من طرف القضاء الجزائري، وفق ما أعلنه محاميه الفرنسي فرانسوا زيمراي اليوم الأربعاء، مؤكد أن هذا الإجراء القضائي لا يُشكل عائقًا أمام إمكانية منحه العفو، فيما جدّد دعوته للسلطات الجزائرية إلى "بادرة إنسانية" تجاه موكله الذي يبلغ من العمر ثمانين عامًا.

وأوضح محاميه الفرنسي فرانسوا زيمراي، في تصريح لوكالة فرانس برس اليوم الأربعاء، أن موكله قدّم طعنًا رسميًا في الحكم، لكنه لم يُخفِ أمله في أن تتم مبادرة إنسانية من قبل السلطات الجزائرية، تسمح بالإفراج عن الكاتب المسنّ، الذي يبلغ من العمر 80 سنة، مشددًا على أن الاستئناف لا يمنع، قانونًا، من إصدار عفو رئاسي عنه.

بوعلام صنصال، المعروف بمواقفه النقدية الحادة تجاه الأنظمة السياسية في المنطقة، وخصوصًا النظام الجزائري، وجد نفسه في قلب عاصفة سياسية وقضائية بعد تصريحات أدلى بها لإحدى وسائل الإعلام الفرنسية، حيث أشار إلى أن الجزائر "ورثت خلال الاستعمار الفرنسي أراضي كانت في الأصل تابعة للمغرب"، وهو التصريح الذي اعتبرته السلطات الجزائرية مساسًا بسيادتها وتهديدًا لأمنها القومي.

وبناء على هذه التصريحات، وُجهت إليه تهمة "المساس بأمن الدولة"، ليتم توقيفه منتصف نونبر 2024، في خطوة فُسّرت من قبل متابعين على أنها رد مباشر على تصاعد الأصوات المعارضة للنظام الجزائري، ومحاولة لكبح حرية التعبير المتنامية، خصوصًا حين تصدر من شخصيات أدبية مرموقة.

وتمت محاكمة صنصال في محكمة الجنح بالدار البيضاء، قرب العاصمة الجزائر، بتاريخ 27 مارس 2025، حيث صدر حكم بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات، غير أن ما أثار استغراب المتتبعين، هو أن محاميه، الفرنسي فرانسوا زيمراي، الموكّل من طرف دار النشر الشهيرة غاليمار، لم يحصل قط على تأشيرة لدخول الجزائر، رغم طلبه المتكرر للحضور والمرافعة عن موكله، ما اعتُبر انتهاكًا لحق الدفاع وضربًا لمبدأ المحاكمة العادلة.

وزيمراي عبّر عن استغرابه من منع دخوله، وصرّح مرارًا أن موكله "بريء تمامًا" من التهم الموجهة إليه، معتبرا أن تصريحاته "لا تخرج عن نطاق حرية التعبير، ولا تحمل أي دعوة للعنف أو تهديد فعلي لأمن الدولة".

وفي تعليق قانوني وسياسي في الآن ذاته، أوضح زيمراي أن "الاستئناف لا يُشكل عائقًا أمام تطبيق حق العفو"، مستندًا إلى المادة 91 من الدستور الجزائري، التي تتيح لرئيس الجمهورية إصدار عفو خاص.

وتابع قائلًا: "إذا ظهرت أي مؤشرات لبادرة إنسانية، فمن الطبيعي أن أنصح موكلي بالتنازل عن الاستئناف"، في إشارة إلى إمكانية تعليق المسار القضائي لصالح حل سياسي أو إنساني، خصوصًا في ظل وضعه الصحي وتقدّمه في السن.

قضية صنصال، خرجت عن الإطار القضائي الضيق، لتتحول إلى ملف دبلوماسي ثقيل بين باريس والجزائر، خصوصًا في ظل التوتر القائم بين البلدين بسبب ملف الهجرة والصحراء المغربية، بيد أنه وبعد مكالمة هاتفية جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قبل يومين فقط من إعلان الاستئناف برزت بوادر انفراجة.

وخلال هذا الاتصال، شدّد ماكرون على أهمية إطلاق سراح صنصال، داعيًا إلى "إعادة حريته له"، وهي إشارة قوية إلى الاهتمام الفرنسي الكبير بالقضية، وحرص باريس على استثمارها لتحسين مناخ العلاقات الثنائية المتوترة.

ورغم الطابع الإنساني الذي حاولت باريس أن تلبسه للقضية، فإن توقيت الاتصال لم يكن معزولًا عن السياق العام، خاصة بعد دعم فرنسا، في يوليوز 2024، لمغربية الصحراء وهو الموقف الذي فجّر غضب الجزائر واعتُبر طعنًا في ظهرها من شريك استراتيجي تقليدي.

وبعيدًا عن الملف القانوني، لا يمكن فصل اعتقال صنصال عن المناخ السياسي الذي يعيشه البلدان، فقد تدهورت العلاقات بين الجزائر وفرنسا بشكل حاد بعد إعلان باريس دعمها للمغرب في النزاع المفتعل حول الصحراء، خصوصًا أن الجزائر تدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وتعتبر أي مساندة للمغرب في هذا الملف مساسًا بمصالحها الجيوسياسية.

وبالتالي، فإن اعتقال صنصال تحول من جانبها إلى رسالة سياسية مزدوجة، هي أولًا للداخل الجزائري، على أن الدولة لا تقبل أي تشكيك في سيادتها وثانيًا لفرنسا، بأن التراخي في الملفات الحساسة لن يمر دون رد.

ورغم حدة التصعيد، إلا أن الأيام الأخيرة حملت بوادر انفراج نسبي، تمثل في إعلان ماكرون وتبون عن إعادة تنشيط العلاقات الثنائية، خصوصًا على صعيد التعاون الأمني والهجري، وهو ما قد يُفسّر ضمنيًا كتهيئة لأرضية تسمح بطي صفحة صنصال دون كلفة دبلوماسية إضافية، لكن ما إذا كانت هذه الانفراجة ستُترجم فعليًا إلى عفو أو إطلاق سراح يبقى رهينًا بمدى جدية الجزائر في فصل السياسي عن القضائي، ومدى استعدادها لإبداء مرونة تجاه باريس في هذا الملف الرمزي.

وبوعلام صنصال، الذي يُعد من أبرز الكتّاب الجزائريين المعاصرين، يجد نفسه اليوم رهينة معادلة معقدة، حيث تتقاطع حرية التعبير مع السيادة الوطنية، وتتصادم القيم الحقوقية مع الحسابات السياسية.

وفي انتظار ما ستؤول إليه الأمور، تبقى قضيته مرآةً لحالة العلاقات الجزائرية-الفرنسية، وتجسيدًا لحساسية النقاشات الحدودية في شمال إفريقيا، حيث للتاريخ والجغرافيا والدبلوماسية قولٌ أقوى من كل ما تكتبه الأقلام.

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...